خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 5 من رمضان 1445هـ الموافق 15 / 3 / 2024م
أَحْكَامُ الصِّيَامِ وَآدَابُهُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِالْإِسْلَامِ، وَجَعَلَ الصِّيَامَ أَحَدَ أَرْكَانِهِ الْعِظَامِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ شَهَادَةً تُبَلِّغُ قَائِلَهَا دَارَ النَّعِيمِ وَالْإِكْرَامِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، خَيْرُ مَنْ صَلَّى لِلَّهِ وَحَجَّ وَصَامَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الْعَرْضِ وَالْقِيَامِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ، وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا، ) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب: 70- 71].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ أَعْظَمِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ فَرْضٌ مِنْ فَرَائِضِهِ الْعِظَامِ، أَوْجَبَهُ اللهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، كَمَا أَوْجَبَهُ عَلَى مَنْ مَضَى مِنَ السَّالِفِينَ؛ مِنْ أَجْلِ الْقِيَامِ بِحَقِّ عِبَادَتِهِ، وَتَزْكِيَةً لِنُفُوسِهِمْ بِسُلُوكِ طَاعَتِهِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( [البقرة:183]، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
عِبَادَ اللهِ:
لَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَتَفَقَّهُوا فِي دِينِهِمْ ويَتَعَلَّمُوا أَحْكَامَ عِبَادَاتِهِمْ؛ لِيَعْبُدُوا اللهَ عَلَى عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، فَلَا يُدْرِكُوا فِيهَا جَهْلًا وَلَا تَقْصيرًا؛ كَمَا قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: ) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( [يوسف:108]، أَيْ: عَلَى عِلْمٍ وَدَلِيلٍ وَاضِحٍ.
فَالصِّيَامُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ تَوَافَرَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ الْآتِيَةُ، وَأَوَّلُهَا: أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا؛ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ، وَإِنْ كَانَ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ. وَثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ بَالِغًا؛ فَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِهِ إِنْ أَطَاقَهُ. وَثَالِثُ تِلْكَ الشُّرُوطِ: أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا؛ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَجْنُونِ؛ لِزَوَالِ عَقْلِهِ الَّذِي هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ؛ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: »رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ« [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ]. وَرَابِعُهَا: الْقُدْرَةُ عَلَى الصِّيَامِ ؛ فَلَا صِيَامَ عَلَى الْعَاجِزِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: )فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ( [البقرة:184]. وَخَامِسُهَا: الْإِقَامَةُ، وَعَلَى هَذَا إِذَا كَانَ مُسَافِرًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ بَلْ يَصُومُ قَضَاءً مَا أَفْطَـرَ مِنْ رَمَضَانَ. وَيَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا، وَعَلَيْهِمَا قَضَاؤُهُ؛ فَعَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ قَالَتْ: (كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]. وَعَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ: أَنْ يَنْوِيَهُ بِقَلْبِهِ مِنَ اللَّيْلِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ؛ لِمَا رَوَتْهُ حَفْصَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
إِخْوَةَ الْإِيمَانِ:
إِنَّ مِنْ يُسْرِ الدِّينِ، وَسَمَاحَةِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ: أَنْ أَبَاحَ اللهُ تَعَالَى لِمَنْ عَجَزَ عَنِ الصِّيَامِ أَوْ شَقَّ عَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ وَيَقْضِيَ إِنِ اسْتَطَاعَ الْقَضَاءَ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْقَضَاءَ أَبَدًا أَفْطَرَ وَدَفَعَ فِدْيَةً نِصْفَ صَاعٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ أَفْطَـرَهُ.
وَمِنْ أَهْلِ الْأَعْذَارِ مَنْ يُرَخَّصُ لَهُمْ فِي الْفِطْرِ وَتَلْزَمُهُمُ الْفِدْيَةُ؛ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْعَاجِزَيْنِ عَنِ الصَّوْمِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ) وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ( [البقرة:184]. وَكَذَا الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَخَّصُ لَهُمْ فِي الْفِطْرِ وَيَلْزَمُهُمُ الْقَضَاءُ؛ كَالْمَرِيضِ الَّذِي يُرْجَى بُرْؤُهُ، يُفْطِرُ إِنْ عَجَزَ أَوْ شَقَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ ثُمَّ يَقْضِي. وَكَذَا يُرَخَّصُ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ لِعَطَشٍ أَوْ جُوعٍ شَدِيدَيْنِ، قَالَ تَعَالَى: )وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا( [النساء:29].
عِبَادَ اللهِ:
وَيُفْسِدُ الصِّيَامَ نَوْعَانِ مِنَ الْمُفْسِدَاتِ: نَوْعٌ يُفْسِدُ الصِّيَامَ وَيُوجِبُ الْقَضَاءَ؛ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَمْدًا، وَتَعَمُّدِ الْقَيْءِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ [أَيْ: غَلَبَهُ فِي الْخُرُوجِ] فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ» [رَوَاهُ أَحَمْدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
وَإِنْزَالُ الْمَنِيِّ بِاخْتِيَارِهِ بِدُونِ احْتِلَامٍ، وَكَذَا الِاسْتِعَاطُ: وَهُوَ صَبُّ الدَّوَاءِ فِي الْأَنْفِ، وَالِاحْتِقَانُ: وَهُوَ إدْخَالُ الْأَدْوِيَةِ وَنَحْوِهَا عَنْ طَرِيقِ الدُّبُرِ، وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَلَوْ لَحْظَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَكُلُّ مَا وَصَلَ إِلَى الْجَوْفِ أَوِ الْحَلْقِ أَوِ الدِّمَاغِ مِنْ مَائِعٍ وَغَيْرِهِ: يُفْطِرُ.
وَمِنَ الْمُفْسِدَاتِ أَيْضًا: الرِّدَّةُ- أَعَاذَنَا اللهُ مِنْهَا- وَهِيَ الرُّجُوعُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْخُرُوجُ مِنْهُ بِقَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُ الْكُفْرَ؛ قَالَ تَعَالَى: ) وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ( [المائدة: 5]. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ؛ لِحَدِيثِ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ].
وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الْمُفْسِدَاتِ: مَا يُفْسِدُ الصِّيَامَ وَيُوجِبُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ، وَهُوَ الْجِمَاعُ؛ فَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الصَّائِمَ إِذَا جَامَعَ فِي الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ أَنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُهُ إِذَا كَانَ عَامِدًا مُخْتَارًا؛ لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ فَأَلْزَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَفَّارَةِ، وَهِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ: عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ.
وَلَقَدْ بَيَّنَ الشَّارِعُ أَحْكَامَ الصِّيَامِ فِي نُصُوصِ الْوَحْيَيْنِ، وَفَصَّلَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالدِّينِ، فَتَنْبَغِي مَعْرِفَةُ أَحْكَامِهَا، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِسُؤَالِ الْعُلَمَاءِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: )فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ( [الأنبياء:8].
أَعَانَنَا اللهُ عَلَى الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَعَلَى حِفْظِ الْجَوَارِحِ عَنِ الْآثَامِ، وَعَلَى التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، وَبَلَّغَنَا بِفَضْلِهِ دَارَ الْمُتَّقِينَ. وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ سِوَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً تُبَلِّغُ قَائِلَهَا مُبْتَغَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا رَزَقَكُمْ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
وَمِمَّا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُعْنَى بِهِ وَيَحْرِصَ عَلَيْهِ: أَنْ يُعَجِّلَ الْإِفْطَارَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ؛ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]، وَأَنْ يُفْطِرَ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ يُفْطِرُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ، فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ].
وَأَنْ يَدْعُوَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ بِمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ ؛ قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
وَمِنَ السُّنَّةِ: أَنْ يَتَسَحَّرَ وَيُؤَخِّرَهُ إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلَا تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ أَحْمَدُ شَاكِرٍ].
وَمِنْ أَدَبِ الصَّائِمِ: أَنْ يَكُفَّ لِسَانَهُ عَنْ فُضُولِ الْكَلَامِ، وَإِنْ شُتِمَ أَوْ لُعِنَ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي صَائِمٌ؛ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ وَيَنْزَجِرَ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
وَيَنْبَغِي عَلَى الصَّائِمِ: أَنْ يَتَجَنَّبَ كُلَّ مَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ أَوْ قَوْلُهُ، وَعَنْ كُلِّ مَا يَتَنَافَى مَعَ الصَّوْمِ الَّذِي شُرِعَ مِنْ أَجْلِ التَّقْوَى، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَجَنُّبُ الْمُحَرَّمَاتِ؛ تَقْوَى لِرَبِّهِ وَحِفْظًا لِصَوْمِهِ ؛ كَالْغِيبَةِ وَالْكَذِبِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْغِشِّ وَالسُّخْرِيَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ وَالآفَاتِ الْمُهْلِكَةِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ [أَيِ: السَّفَاهَةَ مَعَ النَّاسِ] فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؛ إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ« [رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَعَلَى غَضِّ الْبَصَرِ وَحِفْظِ جَوَارِحِنَا مِنَ الْآثَامِ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّـتِـينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ وَسُوءٍ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوُلَاةَ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ الَّتِي تَدُلُّهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَتُعِينُهُمْ عَلَيْهِ، وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالتَّقْوَى، وَانْفَعْ بِهِمُ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، اللَّهُمَّ وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة